العلوم تتميز بالدقة ليس فقط لكونها تركز على حقيقة
الأشياء في عمقها المادي... (اللامتناهي في الصغر...) وإنما كذلك لكونها تستعمل
الأعداد (الكميات أو ما نسميه المقادير الفيزيائية) لوصف هذه الحقيقة والتعبير عنها.
(الوصف، التفسير والتنبؤ)
المفاهيم والنماذج (النماذج الرياضياتية...) الناتجة عن
هذا تشكل ما نسميه اللغة العلمية وهي لغة كونية يتواصل بواسطتها المجتمع العلمي.
والتلميذ عنصر من هذا المجتمع العلمي. ولا يمكن للتلميذ أن يتواصل بالطريقة
الصحيحة إلا عبر هذه القناة قناة اللغة العلمية وبالتالي لا يمكنه اكتساب المعرفة
وانتاجها إلا عبر هذه القناة، بل إن أول معرفة على التلميذ
اكتسابها وتنميتها هي اللغة العلمية.
غالبا ما يطلب من التلميذ تحليل وثيقة (علمية) وعادة
يبقى التلميذ حائرا وعاجزا عن انجاز المهمة أو يحرر جوابا فارغا علميا. والسبب هو
افتقار التلميذ للغة العلمية والتواصل بها (قراءة المعطيات العلمية واستعمالها) مما
يجعله يكتفي بوصف الوثيقة العلمية وصفا إنشائيا في أحسن الأحوال.
أما إذا كان التلميذ يعي أهمية اللغة العلمية وضرورتها
فإنه يستعمل هذه اللغة بحيث يركز عند تحليله للوثيقة على المقادير الفيزيائية التي
تتضمنها الوثيقة. وبما أن هذه المقادير هي كميات فأنه سيركز على تغيرات (زيادة،
نقصان أو ثبات) هذه الكميات ليخرج بعد هذا بوصف كمي للوثيقة ويخرج باستنتاجات دقيقة.
هكذا تكون مهمة تحليل وثيقة مهمة سهلة بالنسبة للتلميذ الذي يمتلك اللغة العلمية وتكون
مهمة مستحيلة (لا ينفع توم كروز هنا) بالنسبة للتلميذ الذي لا يمتلك اللغة العلمية.
مثال أخر: في تمرين جاء السؤال التالي: ماهي الحالة
الفيزيائية للماء؟
فبالنسبة للتلميذ الذي يمتلك اللغة العلمية يعلم ما
المطلوب و ما المنتظر كجواب عن السؤال: يعلم أن المقصود بالحالة الفيزيائية للمادة
هي: الحالة الصلبة، الحالة السائلة أو الحالة الغازية. وأن هذه الحالات هي التي
تشكل الجواب عن السؤال.
أما بالنسبة للتلميذ الذي لا يمتلك اللغة العلمية فإنه
مقابل السؤال المطروح يطرح أسئلة أشهرها: لم أفهم السؤال
لماذا لم يفهم السؤال؟ سنستثني كل الأسباب الداخلية
والخارجية وسنركز على اللغة العلمية. وبالتالي يكون السبب هو نقص في اللغة العلمية
أو افتقار التلميذ إليها.
كيف؟
اللغة العلمية ببساطة تتكون من المصطلحات العلمية
والرموز والصيغ.
لنركز على المصطلحات. الخطأ الذي يرتكبه التلميذ هو أنه في تعامله مع المصطلحات العلمية يقتصر فقط على المعنى أو المدلول اللغوي العام لهذه المصطلحات، أي لا يبحث على المدلول العلمي لهذه المصطلحات ولا يكتسبه. الأمر يتعلق بالمدلول العلمي للكلمات، للمصطلحات . بمعنى القيمة العلمية للمصطلح في مدلوله (معناه) العلمي.
لهذا لو أن
التلميذ امتلك المدلول العلمي ل <الحالة الفيزيائية> (ومدلولها العلمي هو :الحالة الصلبة، الحالة السائلة أو الحالة الغازية) في السؤال المطروح عليه، لكان فهم
السؤال ولكان بإمكانه الإجابة بسهولة ودقة.
إن اللغة العلمية أساسية، ضرورية
ولازمة فبها يكون التواصل بين الأستاذ والتلميذ سواء التواصل الشفاهي (اثناء بناء
الدرس مثلا) أو التواصل الكتابي (في الاختبارات مثلا) وبالتالي يجب الحرص على اكتسابها
واستعمالها. وهي كما اسلفت لغة كونية غير مرتبطة بلغة التدريس. فهي تشفير موحد للكلمات
يستعمله المجتمع العلمي للتواصل (يفهمه المغربي والياباني والامريكي والهندي...)
وعلى التلميذ أن يركز على هذا التشفير (المدلول
العلمي) للمصطلحات وأن يفك تشفيرها في كل ما يستقبله من معلومات (سؤال، وثيقة...)
اللغة العلمية لغة كونية غير مرتبطة بلغة التدريس وبالتالي
فإن الانتقال اللغوي في العملية التعليمية التعلمية من اللغة العربية إلى لغة أجنبية
لن ينفع في اكساب التلميذ اللغة العلمية. بل إن الانتقال اللغوي (كما في الوضعية
الحالية حيث اعتماد الفرنسية في العملية التعليمية التعلمية بدل العربية) يشكل عائقا إضافيا
للعملية التعليمية التعلمية.
إرسال تعليق